منتجات نحل العسل
يعد نحل العسل من الحشرات الإجتماعية، التي تعيش في طوائف أفرادها العاملات والذكور و الملكة. و يتميز النحل بتعدد منتجاته حيث لا يقتصر على العسل وحده كما هو شائع عند البعض، بل يشمل أيضاً الشمع و حبوب اللقاح و الغذاء الملكي و العكبر و سم النحل و الملكات و النحل نفسه. و لا تقتصر أهمية نحل العسل على هذه المنتجات فقط، فهو يعد الملقح الرئيس للعديد من النباتات التي لا تعقد ثمارها بدون وجود الملقحات الحشرية، حيث تتراوح نسبة مشاركة نحل العسل في تلقيح النباتات المزروعة و البرية بين (80-90%) . أما الحشرات و الهواء و الملقحات الأخرى فتساهم بما نسبته (10-20%) في تلقيح هذه النباتات؛ إلا أن تعداد هذه الملقحات و خاصة الحشرية منها في تناقص مستمر من عام إلى آخر بسبب الزحف العمراني و الصحراوي على مناطق تواجدها. و يحتل نحل العسل المكان الأفضل بين جميع الملقحات و ذلك لأن نحل العسل يعيش في طوائف يتراوح تعدادها بين (20-60ألف) نحلة للطائفة الواحدة، بينما لا يتعدى تعداد الحشرات البرية الملقحة التي تعيش في جماعات عن بضع مئات. و تزور نحلة العسل ما يقارب (100-150) زهرة في كل رحلة من و إلى الخلية، و يصل عدد الأزهار التي يزورها أفراد طائفة نحل العسل القوية في اليوم الواحد إلى (20) مليون زهرة، كما تنقل كل نحلة عسل على جسمها كمّاً هائلاً من حبوب اللقاح يفوق المليون حبة.
هذا و يعد نحل العسل صديقاً هاماً للبيئة و ذلك بسبب تلقيحه للنباتات البرية و الحرجية الأمر الذي يساهم في المحافظة على التنوع البيولوجي و الغطاء النباتي. و في ما يلي نعرج على منتجات الخلية للتعرف على لمحة عن كنوز هذا الكائن الفريد.
1.العسل: وهو المنتج الرئيس الشائع عند الناس و هوسائل حلو المذاق كثيف القوام يجمعه النحل على شكل رحيق من أزهار النباتات و يفرز عليه بعض الإنزيمات و يقلل كمية الماء الموجود فيه ثم يخزنه في العيون السداسية ويتفاوت لون العسل من الأبيض الشفاف إلى الكهرماني الضارب إلى الحمرة و الأسود. و يتوقف لون العسل على نوع الرحيق الذي تجمعه العاملات و عمر النبات و نوع التغذية في تربة النبات و ظروف التخزين و الظروف الجوية من حرارة و رطوبة و غيرها من العوامل.
و يمتاز العسل بقيمته الغذائية و خصائصه العلاجية، حيث عرفه الإنسان منذ ستين قرناً على الأقل إذ كان المادة الأكثر شيوعاً للتحلية و صناعة الحلوى ، ثم استخدم كعلاج للعديد من الأمراض و لا يزال العسل يحتفظ بمكانته العالية بين الشعوب حتى وقتنا الحاضر.
2.إنتاج الشمع: الشمع مادة طبيعية ينتجها النحل؛ حيث تفرز النحلة الشمع من الحلقات البطنية و تستخدمه لبناء الأقراص الشمعية و ختم براويز العسل. و شمع النحل من أغلى و أقيم أنواع الشموع، و كانت له أهمية كبيرة جداً في العصور السالفة؛ حيث كان يستخدمه القدماء في طقوس دفن الموتى، كما كانوا يدهنون به الأكفان لإحكام لفها على الجثة المحنطة. كما استخدم في إضاءة المساكن و المعابد و عمل نماذج التماثيل كما دخل في استعمالات أخرى.
في العصر الحديث قلّ استعمال شمع النحل و ذلك باكتشاف مواد أخرى بديلة للشمع، و لا يزال شمع النحل هو الوحيد الذي يدخل في صناعة المواد الطبية و أدوات التجميل و الأساسات الشمعية و قناديل الإضاءة المستعملة في المعابد و الكنائس، بالإضافة إلى أفضليته في الصناعات الأخرى.
و لشمع النحل قيمة علاجية عالية تعزى إلى مكوناته الأساسية من الدهنيات و الصبغات و السيرولين و فيتامين أ و المواد المانعة لنمو البكتيريا إضافة لما له من خواص مطرية و ملطفة ومهدئة و مضادة للالتهابات.
3.حبوب اللقاح: أو ما يسمى غبار الطلع؛ هي أعضاء التكاثر الذكرية في النباتات و التي يقوم نحل العسل بجمعها من الأزهار لتغذية أفراد الخلية حيث تعد المصدر الرئيس للبروتين و الفيتامينات و فيتامين ج خاصة. لحبوب اللقاح العديد من الفوائد للإنسان أيضاً ؛ إذ أنها توفر للجسم بعض العناصر النادرة كما تمنح الجسم ما يعادل 270 سعر حراري لكل 155غم.
و تساعد في تنظيم بعض الوظائف العضوية و تحافظ على التوازن الوظيفي لبعض أعضاء الجسم و تباع في الصيدليات كعلاج للعديد من الأمراض مثل الاكتئاب و التبول اللاإرادي عند الأطفال و فقر الدم و غيرها من الأمراض، و تلعب دور المقوي و المنبه و مضاد لعدد من السموم.
4.غذاء الملكات: مادة هلامية بيضاء مصفرة، تفرزها العاملات من غددها البلعومية التي تنشط بعد اليوم السادس من عمرها لتطعم به الملكة و اليرقات؛ طعمه حار حمضي و سكري قليلاً.
و لقد زاد الطلب على الغذاء الملكي بعد اكتشاف فوائده الطبية و أصبح يباع في الصيدليات و زاد سعره في بعض دول العالم عن سعر الذهب مما أدّى إلى توجه النحالين لإجراء طريقة التطعيم لاستخلاصه من بيوت الملكات و حفظه و بيعه. و للغذاء الملكي أثر في تشغيل و تنظيم بعض العمليات العضوية المختلة و زيادة الطاقة الحيوية بصفة عامة كما أنه منبه جيد ؛ إذ يثير عوامل الحذر و التيقظ بتنشيط الأعصاب و الأوعية الدموية و يولد الإحساس بالعافية و يعيد الحيوية و التوازن العصبي للجسم و يعد من المقويات الجنسية حيث أنه يزيد عدد و نسبة الحيوية للحيوانات المنوية عند الرجال.
5.العكبر (البروبوليس): مادة صمغية راتنجية لزجة يجمعها نحل العسل من براعم بعض أنواع الأشجار و قلف الأشجار الحرجية و تفرز عليها النحلة مواد لزجة ثم تنقلها بواسطة أرجلها في سلات حبوب اللقاح. يستعمل النحل العكبر لسد شقوق الخلية و تثبيت الإطارات المتحركة، كما يستخدم لتحنيط أعداء الخلية كبيرة الحجم مثل الفئران و بيض الزواحف التي لا يستطيع النحل إخراجها خارج الخلية بعد قتلها فتمنع بذلك تعفنها و انتشار الروائح منها داخل الخلية و ذلك لاحتواء العكبر على مواد مضادة تقاوم فعل بعض أنواع الجراثيم التي تسبب تحلل الخلايا. استعمل العكبر في علاج بعض الحالات الجراحية و قرحة المعدة و أمراض اللثة و في طب الأسنان، كما استخدم في كثير من المستحضرات الطبية و التجميلية.
6.سم النحل: تفرزه شغالة نحل العسل من زوج من غدد السم المتحورة و يتم تخزينه في كيس السم و الذي يفرغ محتوياته عند اللزوم في قاعدة آلة اللسع.
و سم النحل عبارة عن سائل شفاف له طعم لاذع و حار و رائحته عطرية و تفاعله حامضي و كثافته النوعية 1.313 كما أنه يتحمل درجات الحرارة العالية و المنخفضة.
يجف سم النحل بسرعة على درجة حرارة الغرفة و لسم النحل دور في قتل بعض أنواع البكتيريا و الفطريات و يستخدم بشكل رئيسي في علاج التهابات المفاصل الروماتزمية إلا أن هذا المنتج لا يزال غير منتشر في النحالة في الأردن و الوطن العربي و ينحصر استخدامه عن طريق اللسع المباشر.
7.إنتاج الملكات: يعد إنتاج الملكات واحداً من أهم مصادر الدخل عند بعض النحالين حيث ينصرف هؤلاء النحالين إلى تربية الملكات بدلاً من المنتجات الأخرى. و يستطيع النحال إنتاج ما يقارب (75-150) بيت ملكي في الخلية الواحدة و يمكن بيع الواحد منها للسلالات المتميزة بسعر يقارب الثلاثة دنانير قبل الفقس أو قد يصل السعر بعد التلقيح إلى ما يزيد على عشرة دنانير للملكة الواحدة.
8.إنتاج النحل: لعلّ نحل العسل واحداً من أسرع الكائنات الحية تكاثراً، حيث يمكن إنتاج عدة طرود نحل من الخلية الواحدة. حيث يركز عدد من النحالين في الأردن على إنتاج طرود النحل صناعياً عن طريق تقسيم الطوائف و تزويدها بالملكات و تغذيتها ليباع الطرد بعد فترة وجيزة بسعر يتراوح بين (50-100) دينار للطرد الواحد و يعتمد السعر على الشهر الذي تباع به الطرود و على كثافة النحل فيه و على عمر الملكة.
9.تلقيح الأزهار: كما ذكر سابقاً؛ يلعب النحل دوراً هاماً في تلقيح النباتات البرية والمحاصيل الزراعية، و قد أصبح المزارعون الآن في العديد من دول العالم يستأجرون طوائف النحل لوضعها في مزارعهم أثناء موسم الإزهار لزيادة الإنتاج كماً و نوعاً، إذ يزداد إنتاج العديد من المحاصيل الملقحة عن طريق نحل العسل أضعاف تلك التي لم يقم النحل بتلقيحها مثل الشمام، البطيخ، الكوسا، التفاح، اللوزيات، الفول، القزحة وغيرها من المحاصيل الزراعية. إلا أن إيجار خلايا النحل في الأردن لا يزال متدنيا حيث لا يتجاوز الثلاثين ديناراً للخلية الواحدة في أغلب الحالات بينما يتجاوز إيجارها في العديد من دول العالم المئة دولار للخلية الواحدة، ويختلف إيجار الخلية باختلاف المحصول الملقح حيث يدخل في هذا التقييم كمية العسل الذي يمكن إنتاجه من المحصول وأثر المحصول على النحل ففي بعض الحالات تتراجع قوة خلايا النحل بسبب نوعية الرحيق أو الظروف البيئية التي يوضع فيها خلايا النحل.
10.يرقات النحل: لعل البعض يستغرب إدراج مثل هذا المسمى في منتجات النحل، إلا أن سعر حضنة النحل (يرقات النحل) يعد مرتفعاً نسبياً في دول جنوب شرق آسيا حيث ينتشر عند شعوب هذه المنطقة أكل يرقات الحشرات و هذه اليرقات غنيّة بالأحماض الأمينيّة و البروتينات و الفيتامينات.
و تجدر الإشارة إلى أن قطاع تربية النحل في الأردن في تطوّر مستمر حيث أن هنالك عدد من المؤسسات الحكومية و الخاصة التي تدعم هذا القطاع عن طريق توفير مصادر القروض مثل مراكز تعزيز الإنتاجية (إرادة) ومؤسسة الإقراض الزراعي، و التدريب من خلال الإرشاد الزراعي إضافة إلى الدور الذي بدأت تلعبه وحدة أبحاث النحل في المركز الوطني للبحوث الزراعية و نقل التكنولوجيا في رفد هذا القطاع بنتائج الأبحاث و المشاهدات التي تجريها في الأردن و نقل التكنولوجيا الحديثة إلى المهتمين بهذا القطاع؛ إلا أن هذا القطاع لا يزال بحاجة إلى الكثير من العمل و خاصة عن طريق تأسيس جمعيات وطنيّة أهليّة تكون فاعلة في عملية تسويق و ترويج منتجات نحل العسل في السوق المحليّة.
الكاتب
د. نزار حدّاد Bee Research Directorate